كوالالمبور/ 17 مايو/أيار//برناما//-- لا شك أن الزيارة الرسمية التي اختتمها أنور إبراهيم مؤخرًا إلى روسيا، والتي تميّزت بالترحيب الحار الذي حظي به رئيس الوزراء من الرئيس /فلاديمير بوتين/، تُرسل رسالة قوية وتُظهر التزامًا على أعلى المستويات بتعزيز العلاقات الثنائية بين ماليزيا وروسيا.
كان التوافق الشخصي بين أنور إبراهيم وأحد أقوى قادة العالم واضحًا منذ بداية الزيارة، حيث اتخذا خطوةً حثيثةً نحو بناء شراكة فعّالة بينهما وبين بلديهما.
كانت هذه الصداقة استراتيجية ومثمرة للطرفين، ففي ظل مشهد عالمي متزايد الاستقطاب - لا بفضل لجوء بعض القوى العظمى إلى الإجراءات الأحادية والحمائية - كان هذا بلا شك تأكيدًا في الوقت المناسب على الصداقة والتعاون الدبلوماسيين اللذين سيقطعان شوطًا طويلًا في ترسيخ الروابط بين ماليزيا وروسيا.
في الكرملين - مقر إقامة الرئيس - حظي أنور، الذي يشغل أيضًا منصب وزير المالية، بترحيب حار ورسمي، حيث حظي الحدث بتغطية واسعة في روسيا من قبل أكثر من 80 ممثلًا إعلاميًا من مختلف الوكالات.
على الرغم من أن الوفد الماليزي قادم من بلد أصغر نسبيًا، إلا أن بوتين استقبله باحترام وتكريم بالغين، وهو ما أشار إليه أنور خلال محاضرة في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية (MGIMO) الشهير.
وقد مُنح درجة الدكتوراة الفخرية من معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية تقديرًا لإسهاماته في السلام العالمي والتعاون الدولي.
وقال أنور إن الاحترام المتبادل بين الدول "هو ما نحتاج إلى تعزيزه في العالم"، مؤكداً أن بوتراجايا لا تؤمن بالقرارات الأحادية الجانب واستعراض القوة والغطرسة.
"علينا أن نؤكد على ضرورة احترام وتقدير كل مجتمع وكل دولة، سواء كانت صغيرة أو غنية أو فقيرة"، على حد قوله.
في المقابل، أكد بوتين أن ماليزيا شريكٌ عريق وموثوق لروسيا، سواءً على مستوى المنطقة أو في جنوب شرق آسيا، مشيدًا بالعلاقات الثنائية التي تأسست منذ عام 1968م.
بصفته رئيس رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، دعا أنور بوتين رسميًا لحضور قمة المجموعة الإقليمية مع شركاء الحوار في أكتوبر/تشرين الأول 2025م في كوالالمبور.
وفي خطوة مفاجئة، انتهز الرئيس الفرصة خلال لقائه بأنور شخصيًا ليوجه دعوةً إلى جلالة السلطان إبراهيم لزيارة روسيا.
ونقلت وكالة الأنباء الروسية (تاس) عن بوتين قوله لرئيس الوزراء: "لديّ طلبٌ كبيرٌ أطلبه. أرجو أن تنقلوا أطيب تمنياتي لرئيس الدولة، السلطان إبراهيم".
ودعا الزعيمان إلى تعزيز التعاون والتزما به، ليس فقط في التجارة والاستثمار، ولكن أيضًا في الثقافة واللغة، بالإضافة إلى التواصل بين الشعوب.
من الجدير بالذكر أن هناك حوالي 400 طالب روسي في ماليزيا و700 طالب ماليزي في روسيا.
ومن المثير للاهتمام، وهو شرف كبير لماليزيا، أن جامعة موسكو الحكومية الدولية تُدرّس اللغة الماليزية مادة دراسية. كما تُدرّس اللغة الروسية في جامعة مالايا الماليزية.
خلال زيارته إلى موسكو وقازان، اغتنم أنور الفرصة لحضور مناقشات طاولة مستديرة مع 24 شركة روسية كبرى ومجلسي أعمال ممثلين عن قادة الصناعة لمناقشة التعاون الاستراتيجي في زيادة التجارة الثنائية بين ماليزيا وروسيا.
في موسكو، أعرب قادة الصناعة في روسيا عن رغبتهم في استكشاف آفاق تعاون جديدة في مختلف المجالات، بما في ذلك تصنيع الأغذية والزراعة والتكنولوجيا. ومن بين الشركات المشاركة، شركة /أويل بارتنرز/، و/سبورت ماستر/، وصندوق الاستثمار المباشر الروسي.
في إحدى زياراته، قال بوتين إنه يرى آفاقًا لمشاريع مشتركة بين روسيا وماليزيا في مجالي الغاز الطبيعي والطاقة النووية.
وأضاف أن شركة النفط والغاز الماليزية، /بتروناس/، لها بالفعل حضور في روسيا برأس مال مساهم في شركة /روسنفت/، وتعمل على تطوير علاقاتها مع شركة /غازبروم/.
/روسنفت/ هي شركة طاقة روسية متكاملة، مقرها موسكو، بينما /غازبروم/ هي شركة طاقة متعددة الجنسيات، مملوكة للدولة الروسية بأغلبية أسهمها، ومقرها في مركز /لاختا/ في /سانت بطرسبرغ/.
كما التقى أنور نظيره الروسي، /ميخائيل ميشوستين/، لإجراء مباحثات ثنائية أخرى. وتلقى اتصالاً هاتفياً من المفتي العام للاتحاد الروسي، الشيخ /رافيل عين الدين/، رئيس الهيئة الدينية للمسلمين الروس.
في قازان، عاصمة تتارستان وإحدى أغنى الهيئات الفيدرالية في روسيا، زار أنور والوفد المرافق له معرض قازان، الذي ركز على التكنولوجيا، بالإضافة إلى معرض الحلال الروسي، وحضر حفل استقبال بمناسبة المنتدى الاقتصادي الدولي السادس عشر "روسيا - العالم الإسلامي: منتدى قازان 2025م".
وأكد رئيس الوزراء أن تتارستان تتمتع بإمكانيات هائلة، وأن ماليزيا مستعدة لمناقشة القضايا التجارية والاقتصادية معها، مثل الخدمات المصرفية الإسلامية وصناعة الحلال في قازان.
اعتبارًا من عام 2022م، بلغ عدد سكان تتارستان 3.9 مليون نسمة، يضمون أكثر من 70 مجموعة عرقية، ويشكل المسلمون أكثر من 50% من السكان. وتضم تتارستان أكثر من 150 مُصنِّعًا للمنتجات الحلال، مع حوالي 20 شركة تُركز على التصدير.
تُعدّ تتارستان من أبرز مُصدِّري النفط المُكرَّر (4.28 مليار دولار أمريكي) والنفط الخام (3.84 مليار دولار)، والمطاط الصناعي (1.06 مليار دولار)، والأسمدة النيتروجينية (202 مليون دولار).
في كلمته في اجتماع مجموعة الرؤية الاستراتيجية: روسيا - العالم الإسلامي (منتدى قازان 2025م)، تحت عنوان "تجربة روسيا والعالم الإسلامي في سياسات الشباب: التحديات المشتركة والإجراءات المشتركة"، أكّد أنور على الأهمية الحيوية والدور الحاسم للتعاون متعدد الأطراف في مواجهة التحديات المُتطوّرة التي يواجهها الشباب، وخاصةً في العالم الإسلامي.
في كلمته الرئيسية في المنتدى الاقتصادي الدولي "روسيا-العالم الإسلامي: منتدى قازان 2025"، دعا أنور العالم الإسلامي إلى العمل معًا وتعزيز أسسه، والتي تبدأ بالاقتصاد، وخاصةً صناعة الحلال التي تبلغ قيمتها 3 تريليونات دولار.
وقال إنه "ينبغي علينا، من دول الخليج والشرق الأوسط إلى إفريقيا وآسيا، إضفاء الطابع الرسمي على هذا التماسك وتعزيزه".
وأضاف أنور: "التمويل الإسلامي ليس مجرد اعتماد ما يُسمى "خالٍ من الربا"، بل هو الانخراط في ابتكارات جديدة تُقدم بديلاً مجديًا اقتصاديًا للعالم الإسلامي، بالإضافة إلى مشاركة غير المسلمين في مجتمعاتنا وفي الدول غير الإسلامية".
ضم الوفد الماليزي وزير الخارجية محمد حسن، ووزير الزراعة والأمن الغذائي /محمد سابو/، ووزير العلوم والتكنولوجيا والابتكار /تشانغ ليه كانغ/، ووزير التعليم العالي الدكتور /زمبري عبد القادر/، ووزير الزراعة والسلع جوهري عبد الغني.
اعتبارًا من عام 2024م، تعد روسيا تاسع أكبر شريك تجاري لماليزيا بين الدول الأوروبية، حيث تبلغ قيمة التجارة الإجمالية 11.46 مليار رنجيت ماليزي (2.48 مليار دولار).
وتنتهي اليوم زيارة أنور لروسيا التي تستغرق أربعة أيام.
وكالة الأنباء الوطنية الماليزية – برناما//س.هـ